زعيم الافلام المدير العام
عدد المساهمات : 97 نقاط العضو : 328 تاريخ التسجيل : 26/06/2010
| موضوع: ..OoO.. فضل مكة على المدينة ..OoO.. الثلاثاء يوليو 13, 2010 4:56 am | |
| في تفضيل مكة على المدينة
إن قيل : قد ذهب مالك رحمه الله إلى تفضيل المدينة على مكة , فما الدليل على تفضيل مكة عليها ؟ قلنا معنى ذلك أن الله يجود على عباده في مكة بما لا يجود بمثله في المدينة , وذلك من وجوه : أحدها : وجوب قصدها للحج والعمرة وهذان واجبان لا يقع مثلهما في المدينة , فالإثابة عليهما إثابة على واجب , ولا يجب قصد المدينة بل قصدها بعد موت الرسول عليه السلام بسبب زيارته سنة غير واجبة . [ ص: 46 ]
الوجه الثاني : إن فضلت المدينة بإقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النبوة , كانت مكة أفضل منها ; لأنه أقام بها بعد النبوة ثلاث عشرة سنة أو خمس عشرة سنة وأقام بالمدينة عشرا .
الوجه الثالث : إن فضلت المدينة بكثرة الطارقين من عباد الله الصالحين , فمكة أفضل منها بكثرة من طرقها من الصالحين والأنبياء والمرسلين , وما من نبي إلا حجها آدم ومن دونه من الأنبياء والأولياء , ولو كان لملك داران فضليان فأوجب على عبيده أن يأتوا إحدى داريه, ووعدهم على ذلك بغفران سيئاتهم ورفع درجاتهم وإسكانهم في قربه وجواره في أفضل دوره , لم يرتب ذو لب أن اهتمامه بهذا المكان أتم من اهتمامه بغيره من بيوته , وقد قال صلى الله عليه وسلم : { من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه } .
وقال : { الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة } ,
وقال في المدينة , { من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة } .
الوجه الرابع : أن التقبيل والاستلام ضرب من الاحترام وهما مختصان بالركنين اليمانيين ولم يوجد مثل ذلك في مسجد المدينة على ساكنها أفضل السلام .
الوجه الخامس : أن الله أوجب علينا استقبالها في الصلاة حيثما كنا من البلاد والفلوات , فإن قيل إن دلت الصلاة إليها على فضلها فلتكن الصخرة أفضل منها لما وجبت الصلاة إليها ؟ فالجواب إن صلاته وصلاة أمته إلى الكعبة أطول زمانا , فإنها قبلتهم إلى القيامة , ولولا أن مصلحتها أكبر لما اختارها لهم على الدوام , وكل فعل نسخ إيجابه إلى غيره كان كل واحد منهما في زمانه أفضل من الآخر أو مثله ،، لقوله : { نأت بخير منها أو مثلها } , وكونه أفضل في زمانه وجه , لا يدل على فضله على ما هو أفضل من وجوه شتى . [ ص: 47 ]
الوجه السادس : أن الله حرم علينا استدبار الكعبة واستقبالها عند قضاء الحاجات .
الوجه السابع : أن الله حرمها يوم خلق السموات والأرض , فلم تحل لأحد من الرسل والأنبياء إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم , فإنها أحلت له ساعة من نهار .
الوجه الثامن : أن الله بوأها لإبراهيم الخليل عليه السلام , ولابنه إسماعيل عليه السلام , وجعلها مبوأ ومولدا لسيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
الوجه التاسع : أن الله جعلها حرما آمنا في الجاهلية والإسلام .
الوجه العاشر : أن مكة لا تدخل إلا بحج أو عمرة , إما وجوبا أو ندبا , وليس في المدينة مثل ذلك ولا بدل منه .
الوجه الحادي عشر : أن الله عز وجل قال في مكة : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } , عبر بالمسجد الحرام عن الحرم كله , وهذا من مجاز التعبير بالبعض عن الكل , كما يعبر بالوجه عن الجملة , وبالرأس عن الجملة .
الوجه الثاني عشر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل لدخول مكة , وهو مسنون ولم ينقل في المدينة مثل ذلك , وفي هذا نظر من جهة أن اغتساله لأجل الحج لا لأجل دخول البلد كما في غسل الإحرام , وقد أثنى الله على البيت في كتابه بما لم يثن على المدينة فقال : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين } وكيف لا نعتقد أن مكانا أوجب الله إتيانه على كل مستطيع أفضل من مكان لا يجب إتيانه ,
ومن شرف مكة [ ص: 48 ] أن الصلاة لا تكره فيها في الأوقات المكروهات لما روى جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار } . أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه , وقال الترمذي حديث حسن صحيح
. وأما ما رواه من قوله عليه السلام : { اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي فأسكني في أحب البقاع إليك } . فهذا حديث لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم
وإن صح فهو من المجاز الذي لا يعرفه كثير من الناس , وهو من مجاز وصف المكان بصفة ما يقع فيه , ولا يقوم به قيام العرض بالجوهر كقوله { بلدة طيبة } وصفها بالطيب الذي هو صفة لهوائها .
وكذلك الأرض المقدسة وصفت بالقدس الذي هو وصف لمن حل بها من الأنبياء والأولياء المقدسين من الذنوب والخطايا , وكذلك الوادي المقدس وصف بقدس موسى عليه السلام وبقدس الملائكة الذين حلوا فيه .
وكذلك قوله عليه السلام { أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله تعالى أسواقها } , أراد بمحبة المساجد محبة ما يقع فيها من ذكره وتلاوة كتابه والاعتكاف والصلوات , وأراد ببغض الأسواق ما يقع فيها من الغش والخيانة وسوء المعاملة ,
مع كون أهلها لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ولا يغضون الأبصار عن المحرمات وكذلك قولهم بلد خائف وآمن وصف بصفة من حل فيه من الخائفين والآمنين ,
فكذلك وصفه بكونه محبوبا هو وصف بما حصل فيه مما يحبه الله ورسوله , وهو إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإرشاده أهله إلى ما بعث به ,
فكانت حينئذ واجبة عليه , ومعلوم أن ما كان أحب إلى الله كان أحب إلى رسوله , وكذلك لما هاجر إلى المدينة كانت إقامته بها وإرشاده أهلها أحب إلى الله وإليه صلى الله عليه وسلم من إقامته بغيرها ,
ومعلوم أن الطاعة التي هي أحب إلى الله من غيرها أحب إلى رسوله من [ ص: 49 ] جميع الطاعات , ولا يلزم من قوله أحب البقاع إليك ألا تكون أحب إلى رسوله .
كما لا يلزم من قوله أحب البقاع إلى أن تكون أحب البقاع إلى ربه . فالتعبير بالأحب في البلدين دال على أن كل واحد من البلدين أحب إلى الله وإلى رسوله ,
إذ لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخالف ربه في محبة ما أحبه . ويجوز أن يوصف كل واحد من البلدين بحسب ما وقع فيه : من إبلاغ الرسالة ,
والأمر بالطاعات , والنهي عن المعاصي , وكل ذلك أحب إلى الله ورسوله مما سواه من النوافل , وأحسن من هذا أن يكون المعنى : أخرجتني من أحب البقاع إلي في أمر معاشي فأسكني أحب البقاع إليك في أمر معادي وهذا متجه ظاهر ,
فإنه لم يزل في زيادة من دينه وتبليغ أمره إلى أن تكامل الوحي وبشره بإكمال دينه وإتمام إنعامه بقوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } .
ومما يدل على أن الأماكن والأزمان يوصفان بصفة ما يقع فيهما قوله تعالى : { رب اجعل هذا البلد آمنا } وقوله { أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } فوصفهما بصفة أهلهما .
وكذلك قوله سبحانه : { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها } وصفها بالتحريم الواقع فيها وهو تحريم صيدها , وعضد شجرها واختلاء خلائها , وتحريم التقاط لقطتها إلا لمنشد . وكذلك وصف سبحانه وتعالى الأشهر بالتحريم .
في قوله : { منها أربعة حرم } . وفي قوله . { الشهر الحرام بالشهر الحرام } .
وقالت العرب . يوم بارد وليل نائم , ونهار صائم , ومنه قول جرير :
ونمت وما ليل المطي بنائم
وفي الكتاب . { فذلك يومئذ يوم عسير } , { فيأخذكم عذاب يوم عظيم } وكذلك يوم عصيب , وقمطرير , وثقيل . كل ذلك صفة لما يحصل في تلك الأزمان , وكذلك وصف ليلة القدر بكونها خيرا من ألف شهر , إنما هو وصف للعمل الواقع فيها .
وأما فضل الثغور فعائد إلى فضيلة الرباط [ ص: 50 ] فيها على نية الجهاد - فيثاب حاضروها على نية الجهاد - وعلى التسبب إليه بالإقامة فيها , وكذلك حراستها ممن يقصدها من الكفار .
وأما فضيلة المساجد فليست راجعة إلى أجرامها ولا إلى أعراض قامت بأجرامها , وإنما ترجع فضيلتها إلى مقصودها من إقامة الجماعات والجمعات فيها .
وكذلك الاعتكاف فيها , وكذلك منع من البيع والشراء فيها , وإيداع الأماكن والأزمان لهذه الفضائل كإيداع الأنبياء والرسل النبوة والرسالة ليس إلا جودا من الله , ولذلك قالت الرسل لقومهم : { إن نحن إلا بشر مثلكم , ولكن الله يمن على من يشاء من عباده } .
وكذلك سائر الأوصاف الشراف لم يضعها الرب سبحانه وتعالى فيمن يشاء من عباده لمعنى اقتضاها واستدعاها , بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده .
وكذلك ما من به من المعارف والأحوال وحسن الأخلاق , لم يكن ذلك إلا فضلا من فضله وجودا من جوده على من يشاء من عباده
فكذلك الأماكن والأزمان أودع الله في بعضها فضلا لا وجود له في غيرها ,
مع القطع بالتماثل والمساواة , وكذلك الأجسام التي فضلت بأعراضها كالذهب والفضة , وسائر الجواهر النفيسة . ارجوا الدعاء لنا ولجميع المسلمين بالجنة منقـــــول
| |
|